الخميس، 25 فبراير 2010

وثيقة طلاق

منذ أن ولدت وأنا أراها أمام عينى فى ثوبها ناصع البياض، أحببتها كثيرا منذ أن ولدت وأنا أراها امام عينى فى ثوبها ناصع البياض، أحببتها كثيرا، ترعرعتُ بين أحضانها وأنا أشم عبيرها الفوَّاح الذى يملأ جنبات صدرى. عشقتها كما لم أعشق أحد من قبل، كانت أقصى أحلامى أن تكون لى. كل مَن يراها يتهافت عليها ويسرع إليها لعله يحظى منها بنصيب أو بنظرة. ملكتنى ووجدتنى لا أستطيع إلى فراقها سبيلا، لقد سكنت وجدانى وبين جوانحى. كم مرت علىَّ أيام عصيبة عندما افتقدها أو لا أجدها أمامى، حاولت مرارا وتكرارا أن أتخلص من حبها الذى سكن بداخلى كالمرض العُضال، ولكن لا جدوى لم أستطع أن أسلاها فتجدنى مُسرعاً من جديد لاستقبالها ولقائها والترحيب بها. ساء فى حبها حالى وتدهورت صحتى وأحوالى، فلقد كانت ملكة متوجة اختارها عقلى وقلبى وأسكنها بين جنباته. حاولت الابتعاد عنها بلا رجعة وعاهدت نفسى ألا أعود إليها أبدا ولكن طيفها لم يفارق مخيلتى، فتجدنى شارد الفكر هائم فيها فلم أجد ما يُنسينى إياها أو يعوضنى عنها. خارت قواى ووجدتنى أعود إليها مُسرعا – عودة النادم التائب – طلبت منها أن تسامحنى وأن تأخذنى بين أحضانها من جديد، سألتها أريجها الأزرق الفوَّاح.....يااه، فإذا بها لعنة لا تفارِق، زادها ذلك غرورا فقد زاد معجبوها فرداً، وإن كان قديم العهد بمعرفتها وبصحبتها. حاول بعض أصدقائى المخلصين إثنائى عن سبيلى هذا وأن أعود إلى رشدى لأحيا حياة طاهرة من جديد حياة لا شوائب فيها، ولكن ضاعت جهودهم سدى. ازداد تمسكى بها وعشقى لها فطلبت أن أتزوجها زواجا أبديا لا فراق فيه إلا بالموت، ولكنها فاجئتنى بشرط غريب...قالت لى: لكن مُحال أن أكون لك وحدك. فسألتها فى عجب: كيف ذلك؟ قالت: لا تغضب هكذا، فأنا كثير مُعجَبِىَّ، فأنا بالنسبة لهم كالشمس فى سماء الدنيا لا استغناء عنها بل هى للجميع. مرت حياتى معها سنوات وسنوات كأننا فى شهر عسل لا ينتهى، تغاضيت فيها كثيرا عن زلاتها فهى تارة تُحادِث هذا وتارة تضحك مع هذا، كنت أغفر لها ذلك كله. ولكن فاض بى الكيل وفاق الحد، فقد جُنَّ جنونى حين وجدتها بين أحضان أعز أصدقائى والذى سبق أن نصحنى بعدم الاقتراب منها أو الزواج منها. نازعت صديقى ونهرته بشدة، جذبتها بقوة من بين يديه...ووجدتنى أُطبِق يدى بكل ما أوتيت من قوة عليها، على ثوبها الابيض الذى تتصابى فيه وتفتخر به، سحقتها وألقيت بها تحت قدمى لأدهسها أكثر وأكثر....نعم سحقتها، قتلتها فلم يعد لها أريج أو بياض....نعم أنا القاتل، قلتها بأعلى صوتى، خرجت من بين جوانبى كأنها بركان ثائر، لقد انتقمت لعمرى الذى أضعته معها. وقتها أسرع صديقى العزيز ليرتمى بين أحضانى يسألنى الغفران والسماح، احتضنته وتعاهدنا سوياً أن نعود إلى الطريق القويم بعيدا عنها وعن أمثالها اللاتى تملأن كل مكان....على أن نساعد كل من يحتاج منا العون لأن يبتعد ولا يستطيع مقاومة إغرائها. ملعونة هى إذن، كم أبكت قلوب وفَرَّقت بين أصحاب؟! فكانت شر وبال على صحتى وعلى مستقبلى ... فلتذهبى بلا عودة، طالق طلقة بائنة بلا رجعة – أيتها السيجارة – ستصلك وثيقة طلاقك مع حامل أختام إرادتى وعزيمتى الصامدة...وإلى جهنم مع تحياتى.............

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق